نام کتاب : تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان نویسنده : النيسابوري، نظام الدين القمي جلد : 4 صفحه : 294
أَقْرَبُ
وحينئذ يكون فانيا عن وجوده باقيا ببقائه وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً من أمور الدنيا والآخرة ولا مما كانت أرواحكم تعلم في عالم الأرواح ولا مما كانت تعلم ذراتكم من فهم خطاب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: 172] وجواب بَلى [الأعراف: 172] وجعل لأجسادكم السمع والأبصار والأفئدة كما للحيوانات ولأرواحكم كما للملائكة، ولأسراركم سمعا يسمع به من الله وبصرا يبصر به الله وفؤادا يعرف به الله سبحانه أسماء كل شيء، فتجلى لكم بربوبيته فبنور سمعه أعطاكم سمعا تسمعون به خطاب ألست بربكم، وبنور بصره أعطاكم بصرا تبصرون به جماله، وبنور علمه أعطاكم فؤادا تعرفون به كماله، وبنور كلامه أعطاكم لسانا تجيبونه بقولكم «بلى» لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فلا تسمعون بهذا السمع إلا كلامه، ولا تبصرون بهذا البصر إلا جماله، ولا تحبون بهذا الفؤاد إلا ذاته، ولا تكلمون بهذا الكلام إلا معه أَلَمْ يَرَوْا إِلَى طير الأرواح مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ سماء القلوب ما يُمْسِكُهُنَّ في سفل الأجساد إِلَّا اللَّهُ بحكمته فلذلك قال:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ أيها الأرواح مِنْ بُيُوتِكُمْ وهي الأجساد سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ التي هي أجساد اشتركت فيها سائر الحيوانات بُيُوتاً تستخف أرواحكم إياها وهي النفوس الحيوانية، وقواها وقت السير إلى الله والقفة للاستراحة والتربية وَمِنْ أَصْوافِها هي الصفات الحيوانية والحواس والقوى أَثاثاً آلات للسير وَمَتاعاً ينتفع بها إِلى حِينٍ الوصول والوصال. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا أي جعل عالم الخلق ظل عالم الأمر تستظل أيها الأرواح به عند طلوع شمس التجلي وإلا لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره. وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ جبال القلوب ما يكن به الأرواح، وجعل لأرواحكم سرابيل من الصفات البشرية تقيكم حر نار المحبة، وسرابيل من الصفات الروحانية تقيكم من سهام الوساوس والهواجس كذلك يحفظكم من الآفات ويربيكم بالكرامات حتى يتم نعمة الوصول عليكم وتسلموا من قطع الطريق يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ بتعريفك وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ بك وبنعمة الله إظهارا للقهر والله أعلم.